البيان الوزاري
نص البيان الوزاري لحكومة «الإصلاح والإنقاذ»
«نمثل أمامكم حكومة مُتضامنة، ومُلتزمة الدّفاع عن سيادة لبنان ووحدة أرضه وشعبه والعمل الجاد من أجل إخراجه من المِحن والأزمات، والإستجابة لتَطلّعات المواطنات والمواطنين. وتلتزم حكومتنا بحماية حُريّات اللبنانيّين وأمنهم وحقوقهم الأساسية، وفي مُقدّمها حَقّهم في العيش الكريم. وسوف تسعى لأن تكون جديرة بالتسمية التي أطلقتها، حكومة تُقدِم على الإصلاح وتتجنَد من أجل الإنقاذ وهي مُدركة أن الإصلاح هو طريقنا إلى الإنقاذ.
وتَعي الحكومة أنّ ما شهده بلدِنا في الأشهر الأخيرة، من عدوان تَسبّب بخسائر كبيرة في الأرواح والمُمتلكات، يدعونا إلى الرهان على الدولة وإلى التَضامن الوطني وإلى تَضافر الجهود في سبيل تَضميد الجراح وبناء ما تَهدّم وحَشد الدّعم العربي والدولي من أجل تَحقيق ذلك. وستلتزم الحكومة بالإسراع في إعادة إعمار ما دمّره العدوان الإسرائيلي وإزالة الأضرار وتمويل كل ذلك بواسطة صندوقٍ مُخصصٍ لهذه الحاجة المُلّحة يمتاز بالشفافية ويُسهم في إقناع المواطنين أن الدولة تَقف إلى جانبهم ولا تُميّز بينهم.
إن أول الأهداف التي تضعها الحكومة أمام أعينها وأرقى المهام التي ستنكب على إنجازها، هو العمل على قيام دولة القانون بعناصرها كافة وإصلاح مؤسساتها وتحصين سيادتها، وهو مهمة ترقى في عدد من القطاعات إلى إعادة بنائها من جديد. فقد اعترت الدولة خلال السنوات والعقود المُنصرمة شوائب عديدة وأربكت فعاليتها وقلّصت من نفوذها وانتقصت من هيبتها. واليوم، يترتب علينا أن نستجيب لتطلّعات اللبنانيّين إلى دولة قادرة وعادلة، عصرية وفاعلة، تستعيد ثقة مواطنيها.
والدولة التي نريد هي التي تلتزم بالكامل مسؤوليّة أمن البلاد، والدفاع عن حدودها وثغورها، دولة تردع المُعتدي، تحمي مواطنيها وتُحصّن الاستقلال وتعبئ الأسرة العربيّة وعموم الدول لحماية لبنان. لذلك تُشدّد الحكومة على التزامها بتَعهداتها، لا سيّما لجهة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١ كاملاً، من دون اجتزاء ولا انتقاء. وتُعيد تأكيد ما جاء في القرار نفسه، وفي القرارات ذات الصلة، عن سلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المُعترف بها دوليّاً، حسب ما ورد في اتفاق الهدنة بين إسرائيل ولبنان في ٢٣ آذار ١٩٤٩. كما تؤكد التزامها بالترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية كما وافقت عليه الحكومة السابقة بتاريخ ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤.
وتلتزم الحكومة، وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني المُقرّة في الطائف، بإتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتحرير جميع الأراضي اللبنانيّة من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، بقواها الذاتيّة حصراً، ونشر الجيش في مناطق الحدود اللبنانيّة المُعترف بها دوليّاً. وتؤكّد حقّ لبنان في الدفاع عن النفس في حال حصول أي اعتداء، وذلك وفق ميثاق الأمم المتحدة. وتعمل على تنفيذ ما ورد في خطاب القسم للسيد رئيس الجمهوريّة حول واجب الدولة في احتكار حمل السلاح.
وإننا نريد دولةً تملك قرار الحرب والسلم. نريد دولةً جيشُها صاحب عقيدةٍ قتاليةٍ دفاعية يَحمي الشعب ويَخوض أي حرب وفقاً لأحكام الدستور. إن الدفاع عن لبنان يستدعي إقرار استراتيجيّة أمن وطني على المستويات العسكرية والدبلوماسيّة والاقتصاديّة. ويترتّب على الحكومة أن تُمكِّن القوات المسلحة الشرعية من خلال زيادة عديدها وتجهيزها وتدريبها وتحسين أوضاعها مما يعزّز قُدراتها على التصدّي لأي عدوان وضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وشرقاً وشمالاً وبحراً، وعلى منع التهريب ومحاربة الإرهاب.
ونريد دولةً وفيّة للدستور ووثيقة الوفاق الوطني التي اعتمدناها في الطائف. ويقتضي هذا الوفاء الشروع في تطبيق ما بقي في هذه الوثيقة دون تنفيذ. ويقتضي أيضاً تصويب التطبيقات المخطئة التي شابتها عبر السنين. كما تُرتّب مسؤولية الإصلاح العمل على إعداد مشاريع قوانين جديدة ووضع النصوص التطبيقيّة لعدد من القوانين النافذة.
ونريد دولةً مُحايدة في التنافس السياسي المشروع بين القوى السياسية. لذلك تحرص حكومتنا على إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية والنيابية في مواعيدها الدستورية. وهي تلتزم ترفّع الدولة عن أي انحياز لطرف ضد آخر أو التدخّل في مجرى عملية الاقتراع، مع اعتماد الشفافية الكاملة في التنظيم وإعلان النتائج.
ونريد دولةً فعّالة بإداراتها العامة ومؤسساتها، مما يستدعي إعادة هيكلة القطاع العام وفق رؤية محدّثة تواكب العصر وترسّخ مهام هذا القطاع في خدمة الجميع ولصالح المنفعة العامة، كما وفق معايير حديثة تواكب التحوّل الرقمي والابتكار وتعتمد المُقاربات العلمية والسلوكية في العمل الحكومي، وتُدخِل وظائف أساسية كالتخطيط الاستراتيجي السليم ومُتابعة مؤشرات الأداء، ويستدعي ذلك الإسراع في ملء الشواغر بنساءٍ ورجال متميّزين بنزاهتهم وكفاءتهم وولائهم للدولة، وهنّ وهم كثر، الحمد للّه، وذلك وفق آلية شفافة تضعها الحكومة في أقرب وقت تضمن تكافؤ الفرص بين اللبنانيين. وسنعمل لتأتي عملية التعيين في المناصب الشاغرة في الفئة الأولى حريصة على معايير الجدارة والكفاءة وقائمة على المناصفة بين المسيحيّين والمسلمين دون تخصيص أيّة وظيفة لأيّة طائفة، كما تنص عليه المادة /٩٥/ من الدستور. ولا بد لنا أيضاً من تعيين مجالس الإدارة والهيئات الناظمة أو تفعيلها: في قطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني والإعلام وسواها، وتفعيل الهيئات الرقابية كافةً وتعزيز المساءلة والمحاسبة لمكافحة الهدر والفساد وتسهيل معاملات المواطنين وزيادة إنتاجية القطاع العام وكفاءة العاملين فيه والعمل على تأهيلهم وإنصافهم.
ونريد دولةً تؤمّن العدالة للجميع من دون استثناء أو تقاعس في احقاق الحق. ولذلك، يترتب على نظام العدالة أن يحظى بثقة اللبنانيّين واللبنانيات الكاملة، وثقة العالم أيضاً. وهو ما يقتضي ترسيخ استقلال القضاء العدلي والإداري والمالي وتحسين أوضاعه وإصلاحه وفق أعلى المعايير الدولية بما يضمن مناعته حيال التدخّلات والضغوط وقيامه بدوره بضمان الحقوق وصَون الحريات العامة ومكافحة الجرائم. وفي هذا الصدد، لا بد من الإسراع في إجراء التعيينات والمناقلات والتشكيلات القضائية والحؤول دون منع أو تأخير عمل المُحققين، وخاصةً في قضية انفجار مرفأ بيروت وقضايا الفساد المالي والمصرفي واستكمال التدقيق المحاسبي والجنائي. وستعمل الحكومة أيضاً على مكننة المحاكم وتسهيل وصول المواطنين إلى المعلومات القانونية والقضائية وإصلاح السجون. وتلتزم الحكومة بتعزيز التعاون القضائي الدولي في مكافحة الجريمة والفساد. كما ستعمل الحكومة على تطبيق قانون المفقودين والمخفيين قسراً ودعم الهيئة الوطنية المُختصة التي أُنشئت بموجبه، وستواصل مُلاحقة قضية إختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه وستحرص على استكمال التحقيقات في الاغتيالات السياسية وصولاً إلى معرفة الحقيقة واحقاق العدالة، كما ومتابعة قضية الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية.
نريد دولةً تتحمّل مسؤوليتها بالكامل في تأمين سلامة مواطنيها وحفظهم من كُلّ أذّى، من القتل والنهب والسرقة وسائر الجرائم التي يشكو منها المواطنون، ويتطلب ذلك توفير ما تحتاج إليه قوى الأمن الداخلي من تجهيز وتدريب للقيام بدورها في مجالات توفير الأمن كلّها، من ملاحقة تجارة المخدرات وتبييض الأموال وصولاً إلى تطبيق القوانين الخاصة بالسلامة المرورية.
نريد دولةً تتعزز فيها قُدرات الخزينة المالية بإنتهاج سياسة رشيدة لتعزيز الإيرادات حفاظاً على ملاءة تؤمّن الاستقرار المالي. ويتطلب ذلك تفعيل الجباية والإصلاح الضريبي والجمركي ومكافحة الهدر والاقتصاد غير الشرعي والتهريب. وسوف تتفاوض الحكومة على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي وتعمل على معالجة التعثر المالي والمديونية العامة. وستعمل أيضاً من أجل النهوض بالاقتصاد الذي لا يقوم دون إعادة هيكلة القطاع المصرفي ليتمكن من تسيير العجلة الاقتصادية. وستحظى الودائع بالأولوية من حيث الاهتمام من خلال وضع خطة متكاملة، وفق أفضل المعايير الدولية، للحفاظ على حقوق المودعين. وإن حكومتنا تأمل أن يتجاوب مجلسكم الكريم مع هذه الحاجة فيُقرّ التشريعات المناسبة في هذا المجال.
نريد دولةً تسعى لرفع نسبة النمو الاقتصادي على أن تستفيد مختلف الفئات الاجتماعية منه، وتستعيد ثقة المُستثمرين في لبنان والخارج وتعمل على تحقيق الإنماء المتوازن، عن طريق تحفيز إشراك القطاع الخاص وفتح مجالات الاستثمار والإنتاج ودعم وتشجيع القطاعات المنتجة وخلق فرص عمل جديدة للشباب. وتشترط التنمية الاقتصادية العمل على تحسين جودة الصناعات المحليّة والسعي لتوسيع مجالات التصدير وتسهيل معاملاتها وإنشاء أو تطوير مناطق صناعية، وتعزيز دور المجلس الاقتصادي والإجتماعي والبيئي في صياغة السياسات الاقتصادية والإجتماعية للدولة لا سيما من خلال إبداء الرأي في الحالات المنصوص عنها في القانون. كما تشترط أيضاً العمل على زيادة مساحات الأراضي المزروعة وتشجيع الزراعات المُستدامة ذات الميزات التفاضلية المتكيّفة مع المتغيّرات المناخية وتشجيع الإنتاج الزراعي، النباتي والحيواني السليم والصناعات الغذائية وفتح الأسواق أمام المنتجات اللبنانيّة وتعزيز الاستفادة من اتفاقيات التجارة الإقليمية والدولية. ويتوجّب على الدولة العمل على إصلاح قطاع الاتصالات وتطويره والتطبيق الكامل لقانون تنظيم قطاع خدمات الاتصالات. وينطبق ذلك كلّه على قطاع النقل وشبكة الطرق وتطوير المرافئ وخاصة مرفأي بيروت وطرابلس، بما فيه المنطقة الاقتصادية الخاصة، وتشغيل مطار رينيه معوض في القليعات لأهميته الإنمائية وتوسعة وتطوير مطار رفيق الحريري الدولي والتطبيق الصارم للقوانين المتعلّقة بالأملاك البحرية والنهرية.
نريد دولةً تتحمّل مسؤوليتها في إصلاح قطاعي المياه والكهرباء فتُخرج البلاد من الظلمة وتزوّد المؤسسات بالطاقة مما يقتضي المباشرة بزيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي تدريجيّاً وبأدنى كلفة ممكنة. وفي مجال الطاقة، ستسعى الحكومة أيضاً إلى استئناف العمل في مجال التنقيب عن النفط والغاز.
نريد دولةً تعمل على تحسين نوعية التعليم في لبنان ودوره في الاندماج الاجتماعي وتعزز التعليم الرسمي ولا سيما الجامعة اللبنانيّة وترعى التعليم المهني والتقني. كما تحمي التعليم الخاص وتعزز رقابة الدولة على المدارس والجامعات الخاصة. وتلتزم بتمكين الهيئة التعليمية وبتحسين ظروف عملهم وتتجاوز مجرد المعالجات الآنية للقضايا التربوية وتتجه نحو استعادة دور لبنان الريادي في التعليم المدرسي والجامعي لأبنائه وللمنطقة وفي إنتاج المعرفة ونشرها والإنفتاح على الأدوات والوسائل الأكثر حداثة في التحوّل الرقمي.
نريد دولةً تعزز منظومة البحث العلمي، لا سيما المجلس الوطني للبحوث العلمية مما يُساهم في إشراك الباحثات والباحثين اللبنانيين في إيجاد حلول للتحدّيات المحلية ومواكبة التخطيط والسياسات العامة، بالإضافة إلي ترسيخ مكانة لبنان على خارطة إنتاج المعرفة، فلا إمكانية لاكتمال السيادة بمفهومها الشامل دون السيادة العلمية.
وستعمل الحكومة على إنشاء وزارة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تضع وتنفذ استراتيجية مُستقبلية طموحة تهدف إلى جذب الطاقات اللبنانية وتحفيز الاستثمار في القطاعات المتقدمة وتُسرّع تبنّي التقنيّات الحديثة وتشجيع الشركات الناشئة وتطوير الابتكار.
نريد دولةً حريصةً على مقاربة قضايا النساء من منظار الحقوق والمساواة في المواطنة مما يستدعي إعادة النظر في القوانين التمييزية والعمل تشريعياً وتنفيذياً وفق سياسات تكرّس المساواة وتضمن مشاركة النساء الفعّالة في صنع القرار، بالإضافة إلى العمل على إلغاء العوائق التي تحول، على اختلاف أنواعها، دون انخراط النساء في الحياة السياسية وفي كافة ميادين الحياة العامة والخاصة.
ونريد دولةً تعمل على الاستجابة لاحتياجات الشابات والشبان وانتظاراتهم المُحقّة وتشجّع مواهبهم وتُنمي مهاراتهم لا سيما في المجالات الفنية والرياضية، وتدعم مشاركتهم في الدورات الرياضية الإقليمية والدولية.
ونريد دولةً قادرة على زيادة الانفاق الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إنشاء نظام حماية اجتماعية شامل، يرعى الفئات الأكثر فقراً وضعفاً والعمل على استكمال عودة المهجرين كافة ودفع التعويضات اللازمة للمتضررين بنتيجة انفجار مرفأ بيروت وإعادة إعمار ما تهدّم. ومن واجب الدولة التي نريدها أن تُعزز قدرات القطاع الصحي في لبنان، بما في ذلك ترميم المستشفيات الحكومية ومراكز العناية الصحية ورفع مستوى التنسيق مع القطاع الخاص والتعاون مع المنظمات الدولية وتوفير الدواء، خصوصاً للأمراض المزمنة والمُستعصية. ويترتب على الدولة ألّا تألو جُهداً لتأمين التغطية الصحية لجميع المواطنين ولدعم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وإصلاح أوضاعه لإقداره على القيام بدوره في توفير التقديمات الضرورية للمواطنين.
وستعمل الحكومة على وضع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة موضع التنفيذ، وتلتزم بأن تكون المشاريع الحكومية والبرامج الرسمية دامجةً لهم.
نريد دولةً تَعي غنى إرثها المادي وغير المادي وترعى المُبدعين في الفنون والآداب وتنمّي الصناعات الثقافيّة وتَصون القيم التي تعلّقنا بها من حيث احترام التنوّع مع تعزيز الروح الوطنية الواحدة العابرة للفئات المختلفة. وان حكومتنا على يقين أننا إذا نجحنا في تحقيق استتباب الأمن وأحسنّا إدارة بيئتنا الطبيعية والثقافية يستعيد بلدنا مكانته الخاصة مقصداً للزوار والسواح، لما لقطاع السياحة من دور في إنعاش الاقتصاد والإنماء المتوازن لكلّ المناطق.
ونريد دولةً تعمل على مجابهة المخاطر الناجمة عن اضطراب المناخ والكوارث الطبيعية وتعالج الأزمات البيئية المتوارثة منذ عقود. كما تُشدّد على التعافي البيئي بجوانبه كافة والعمل على التأهيل البيئي وبخاصة في المناطق التي تعرّضت للعدوان الإسرائيلي الذي أحرق آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية والغابات والأحراج واستخدم أسلحة تسببت بضرر طويل الأمد في الطبيعة والنُظم الإيكولوجية. وضمن جهود إعادة الأعمار، نريد دولة تُراعي الأبعاد البيئية، وذلك بدءاً من معالجة الردميات وصولاً إلى اعتماد خطط إعمار أكثر إستدامة.
ونريد دولةً حريصة على الحريّات العامة والحقوق الأساسية التي ضمّنها دستورنا وجرت المحافظة عليها في أصعب ظروف تاريخنا. وإذا ما كانت حكومتنا ملتزمة بصون الحريات العامة ومنع المساس بها، فهي أيضاً واعية للتحديات المُستجدة التي فرضتها الثورة المُتسارعة في وسائل التواصل والتي بدأت الدول الأكثر تقدّماً بالنظر إليها لحماية صغار السن من بعض آثارها المُضرّة.
إن نهوض الدولة التي يريدها اللبنانيّون واللبنانيّات ونريدها، يتطلب اعتماد سياسة خارجية تعمل على تحييد لبنان عن صراعات المحاور ما يُسهِم في استعادته موقعه الدولي ورصيده العربي، وتحشد دعم العواصم الشقيقة والصديقة والمنظمات العربية والدولية، مع الحرص على عدم استعمال لبنان منصة للتهجم على الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة.
وترى الحكومة أننا أمام فرصة لبدء حوار جاد مع الجمهورية العربية السورية يهدف إلى ضمان احترام سيادة كل من البلدين واستقلالهما وضبط الحدود من الجهتين وترسيمها وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لأي من البلدين والعمل على حل قضية النازحين السورييّن بما، والتي لها تداعيات وجودية على لبنان إن لم تتحقق عودتهم إلى وطنهم.
كما تؤكد الحكومة رفض توطين الفلسطينيّين وتهجيرهم مُتمسّكةً بحقهم في العودة وفق القرار رقم ١٩٤ وفي إقامة دولتهم المُستقلة على أرضهم وفق مبادرة السلام العربية التي اعتمدتها قمة بيروت عام ٢٠٠٢. وتؤكد حق الدولة اللبنانية في ممارسة كامل سلطتها على الأراضي اللبنانية كافة، ومن ضمنها المخيمات الفلسطينية، بظل الحفاظ على كرامة الفلسطينيين المقيمين في لبنان وحقوقهم الإنسانية.
السيد الرئيس، السيدات والسادة النواب،
اختلف اللبنانيّون في مسائل شتّى، منها ما هو مهم، ومنها ما هو أقل أهمية. ولكن الأوان قد آن لنعي جميعاً أن لا خلاص لنا خارج حضن دولتنا، ولا قُدرة لدولتنا على احتضان أبنائها إن رضينا بتسيّبها، أو قبِلنا بتهميشها، أو تعامينا عن تقصيرها. وإن كان لا مستقبل لبلدنا ان بقي المجتمع مهدَّداً بالخصام المتكرر، فلا مستقبل له أيضاً إن لم تكن دولته قادرة، فاعلة، مُتعالية على النزاعات الفئوية. ولا سبيل لجعل الخارج يحترم دولتنا ويحسب لها حساباً إن لم نلتف جميعاً في كنفها، وإن لم ننضوِ في خدمتها وإن لم نباشر بإصلاحها.
ويحدونا الأمل أن نعمل معاً في سبيل عقد اجتماعي جديد بين دولة مهابة ومجتمع خلاّق. واللبنانيّون يدركون تماماً اننا على هذا النحو نَخرج من كبوتنا، فنكون على مستوى من سَبقنا من بُناة الكيان وعلى مستوى تطلّعات شاباتنا وشبابنا. هكذا نُقنع أبناءنا بأن مُستقبلاً مُمكناً لهم في وطنهم وليس فقط في بلاد الهجرة والإغتراب، وهكذا نستعيد مكانتنا الكريمة بين الأمم.
إليكم وعلى أساس هذا السعي لإعادة بناء الدولة السيّدة، القادرة والعادلة، نطلب اليوم ثقتكم وآمل بالفوز بها».